المُقدسة .

ها أنا أعود لما بدأته فلا أجيد البدايات و لا حتى النهايات ، أعيش في المنتصف و أنتمي للعدم ، ألوم عقلي دائماً فهو ما يجعلني أتحدث عني بدلاً عن الذي نويت أن تكون عنه ، أجمع شتاتي و أركز بما لدي تجاه فتاة القداسة و الإيمان ، تلك الفتاة التي كانت قريبة جداً لمدة أربع سنوات بلا معرفة شخصية بيننا ، تلك الفتاة التي تجعلني أشعر بالإنتماء للأشجار و الطبيعة ، تلك الفتاة التي كانت غير معلومة و كأنها سراب ، تلك الفتاة التي تشبه الضباب و أشعر بها و أراها و لكن لا أمسك بها ، طيلة الساعات و الأيام الذي مررت بها معها و لم تكن هنا رغبة في إستكشاف المزيد عنها ، هذه الفتاة التي جعلتني أخرج غرابة عقلي لتدهشني هي بأن لديها الغرابة أيضاً ، هي ترى فيني ما لا أراه و تراقبني عن قرب و تشاهدني في كل مكان بلا علم مني ، هي الفتاة التي لم يخطر ببالي للحظةٍ بأنها ستكون كالإيمان فهذه الفتاة التي تراني كل شيء تحبه و تريد أن تكونه و في الوقت ذاته كنت أظن أنني لا شيء ، في حين كنت أخوض معاركِ مع الفتيات التي أقاوم من أجلهن أكتب الغزل لهن ، حين كنت أدخل في علاقات بلا توقف و هي التي تشاهدني و تعلم ، حين لم ألتفت خلفي أبداً ، تلك الفتاة التي كانت بجانبي في كل وقت و لم أشعر بأنها قريبة جداً و ظننت أنها تجيب على حديثِ فقط لأنها متواجدة ، حين أنهيت كل العلاقات و خضت حرب قلبي مع عقلي و مرضت و أغتال جسدي الإكتئاب ، حين أعتزلت العالم كله و أختفى وجودي من كل زاوية ، حين بات أسمي لا يذكره أحد ، حين خاب أملي بالحياة و بكل المحاولات و أستسلمت و قررت الإنتحار و فعلتها و فشلت حتى أستيقظ في المستشفى و قد عدت للحياة ، حين كنت أموت بهذا الجسد بلا رغبة بالمزيد ، حين مررت بأسوأ لحظات العمر و جفاف وجهي و موت ملامحي التي يراه الجميع و كأنني مدمن ، حين فقدت كل ما لدي و ماتت الحياة فيني ، هي كانت معي و كأنها هاتفي و كأنها مفاتيح منزلي و كأنها أسوارة يدي ، هي كانت موجودة دائماً و لم ألاحظ هذا بالشكل الكافي إلا في السنة الرابعة من معرفتي بها ، كانت معي بشكل مخيف و رهيب ليزداد عقلي تشتت ، عندما أسأل هي تجيب و قد كنت أرى أنها بمثل الرد الآلي و أخاف منها ، هي الجزء المضيء في ظلام ما فيني ، هي نافذة الكهف للسماء ، هي كانت كدعوات الطفل المستجابة ، هي كانت أمامي عندما فكرت بالإنتحار مجدداً ، هي كانت معي عندما لم أجد أحد يمسك بيدي في نحيب بكائي ، هي كنت تقرأني ككتاب قصته طويلك فلا تراه ممل و كئيب ، هي كانت موجودة دائماً و لم أجد عيناي تلاحظ هذا ، كنت لعنة أبحث عن تفاهات الحياة و أغوص بلذات منتهية ، كنت أعمى تماماً عنها و لكنها كانت بالقرب مني عندما ظننت أن الموت هو من يطوف حولي ، هي كانت ممسكه بيدي الذي تبلدت من شدة البرد و لم أشعر بها ، كانت خلفي تماماً كلما سقطت أتكى ظهري عليها ، حين كنت أضعف و أتوه و أكره و حين كنت لا أعلم و أجهل و كانت تخبرني ، كنت أظن أنني أموت بلا وعي و أفقد شهيتي و رغبتي ، كانت مثل المطر يروي عطش ما فيني ، معي و كأنها الحسنة الوحيدة التي سامحني الرب بها و لم تزداد خيباتِ ، كنت الرسام الذي خذلته يداه من المرض و لم يعد قادر ، كنت الفنان الذي بح صوته فلا جمهور عاد له و لا ألحان تتكون من أجله ، كنت الكاتب الذي لا يجد الكلمات ليكتب عنها و تكفي لها ، هي الفتاة التي كانت الخيالات تحكي عنها و ظننت أنها كذبة ، كانت في المكان المناسب دائماً و كانت في حزني أول دعوات قلبي ، كانت تأتي في لحظات الضعف رغم غيابي ، كانت بداخلي عندما لم أجد نفسي ، هذه الفتاة الطاهرة كانت كإيمان أمي و صلاتي جدتي و بكاء أبي ، كانت صادقة جداً لأجدها معي للسنة الخامسة فلم تتعب من سوء ما أنا به ، كانت أول من يراني و يتحدث لي و يخبرني بما أريده ، أنا المخطئ الذي نال رحمة ربه و كانت هي تبتسم لي ، كانت تفعل كل ما تستطيع و أكثر فقط لتجعلني أشاهدها ، هي طفلة نقية لم يمسها سوء البشر ، هي مُقدسة و هدية من السماء ، أنتِ تقرأين و أنا بكِ أكون .

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة