دمية الخيوط .



لم يعد الألم يزيح ما أنا به ، لم يفي البكاء كما أعتدت عليه ، لم تعد تلك الصرخات الشاحبة أن تزيح هذا الكم الهائل الذي دُفنت به و ظننت أنه الدفء الذي سيحمي روحي من صقيع أفكاري ، لم أنجو ليلة من هذا اللعين ، لم يعد الهروب كافي ، أصبحت أتكور في زاوية المكان ، أصرخ حتى ظننت أن حِبال صوتي تقطعت ، لم تكن قوتي كافية لمواجهته ، لم تعد لدي القدرة على مجاراته ، فقدت روحي و كأنني أصبحت عبدٌ له ، لم يعد يلاحقني كما كان يفعل ، أصبحت أتجيده و كأنني منهُ أكون ، يسلب مني كل ما ظننت أن الجميع يراه بي ، أصبح يتملكني و كأنني دمية الخيوط ، يتلاعب بي حتى أنني أخاف اللحظات السعيدة ، يقاتلني و كأنني أنا من خلقه بهذه المعاناة ، يرسم لي كل الطرق كما يريد فلم يعد سراب ، لم يكن يوماً وهم ، كان حقيقي جداً حتى أن التعاطي يجمعني به من جديد ، أخذت كل الطرق هرباً منه حتى سمعت ضحكته من أعلى ، هذه المرة كنت في متاهته أطوف و أسعى ، لم يعد الموت بعيد ، سرق حياتي و جعلني أستعد ، حتى فمي أصبح ينزف و بصري لم يكن واسع لأرى شيء غيره .


فعندما تنام ممتلئ بالتهالك و الوجع و تحلم بواقعك و تلعن اليقظة كل صباح ، عندما تذهب و تعود بلا معنى و تصرخ بداخلك حتى تشعر بالمرض ، تتحدث للعدم و يجيب و تخذل نفسك مراراً و لا تستسلم ، عندما تموت في الوحدة ليلاً و تعيش في الظلام نهاراً ، فكلما تقدمت سراباً و تسقط من كل نافذة أنت من صنعها للهروب و تكون كل كوابيس عقلك ، عندما يصعب عليك التنفس أياماً متتالية و تنتظر سماع صوت حقيقي و لا تجد ، عند فقدان روحك و ترى التبلد سعادة و يتحول الحزن عادة و لا تجد نفسك بغيره ، عندما تتحدث مع صديق و يكون ذات العدو و أكثر من غريب ، يراك المريض بشفقة و يخبرك بأنك هالك لا محالة ، لتنتصر كذباٍ على نفسك يوماً و تعيش الوهم الحياة بسلام ، و تصل إلى الحديث مع كل ما بداخلك و تتفرد بوحدتك لأنك تعلم بأنهم ملاعين ، تثبت و جهات النظر لذاتك و النقاش لصالحك بكل مرة ، تضحك لنفسك على أراء تختلقها مخيلتك ليستمر النقاش ، عندما تعلم أنك شيء لدى أحدهم لكنه لا يجد الوقت للإعتراف و تموت وحيداً و لا يتذكرك إلا صديق واحد و صاحب المطعم و عامل الشاي فقد تأخرت عن الموعد المعتاد في الخامسة من كل مساء ، تعلم بأنك لا تستحق أن تكون معها فقد ذبلت و شحب وجهها من لقاء لم يستمر و رأيت نهاية الحياة في عينيك و لكنك أحببتها كثيراً لتفقد كل قواك للمحاولة أن تكون أفضل ، فحتى هي لم تستطع إنقاذك فلماذا يا ترى أنت باقي في الحياة ، ليتحدث رجال الشرطة أنك مُت مقاوماً و لم تنتحر ؟ فيكون إنجازك الوحيد أنك لم تتخذ الخطوة الوحيدة التي تقدر عليها ، قتلتك الحياة بشكل جيد حين ظننت أنك تقاوم لتثبت شيء لا معنى له ، فليدعوا لك الجميع فأنت من كان يراها تضحك و لا يقترب و ترقص فيبتسم و كأن الحياة تنبض بروحك ، فما تلتفت إلا و تبخر كل هذا فأنت كالمشرد لكنك مُلفت و أنيق و تأتي برسائل الموتى في الحرب و الجميه يخاف من قدومك ، لم تكن منبوذ و لكنك ذو هالة تجب الشمس أن تختبئ خلف الغيوم و السماء تمطر لتطهر كل طريق مررت به و الجميع يعود لمنزله ، فلا تعلم هل أنت السبب أم السماء ترحم الجميع من حزنك فلم تجتمع يوماً بساكني العمارة ، فأنت الذي يهرب من كل الممرات التي تجتمع بها الأصوات و تعتلي الضحكات، أنت غارق في الإكتئاب و البقية يخاف السباحة ، فلتغرق بهدوء كما أعتدت العيش دائماً ،ستدفن في المكان الوحيد الذي أخترته ، عندما تعيش هذا حينها ستكون أنا .

تعليقات

المشاركات الشائعة