حلم من خمسين رواية .

لم تكن خمسين رواية بل كانت أحلامٌ لها ، دائماً أحلم عنها و السماء ممطرة أو الغيوم تسكنها ، كل أحلامي معها تنتهي بأن أرحل و كأنني حققت ما لم يستطيعوا فعله و تكون هي مثل الواقع تفوق الغزل جمالاً و تتجاوز المديح خيالاً و تُدهش أفكاري إعجاباً ، تأتي للأحلام و كأنها تعرفني جيداً ، تأتي لتخبرني ذات مرة عن ما يضايقها و مرة عن كيف تتجاوز يومها السيء ، كانت تشاركني واقعها في كل أحلامي ، كنت أرتدي أفضل ما لدي و أنام فألاقيها تأتي بحديث جديد و خجل يحتضن ملامحها اللطيفة و توتر يجعلني أعيد ترتيب أنفاسي بتنهيدة ، لم أكن صديق للنوم إطلاقاً و لست من مُحبيه و لكن قدومها المتكرر جعلني أسعى خلف النوم و هو الوسلية الوحيدة لأتحدث معها و لكنني أعجز عن ذلك حتى في خيالي ، تبعثر كل الأفكار التي ظننت أنني قادر على مشاركتها معها ، تجعلني خجول أكثر مما أنا عليه و يتجدد التوتر و كأنه يعلم أنني المأوى الوحيد له ، لم أعد أكتب كما كنت و لكنني أبحث عن الكلمات أكثر مما مضى من أجل أن أخبرها بأنني هنا و أنتظر اللاشيء بأن يتحقق و يحدث و يجعلنا نتشارك الأفكار ، كانت و لازالت تجعلني أبتسم بإستمرار رغم كآبة الروح التي تسكن جسدي و سواد عيناي و رؤيتها للحياة ، كأنها تلك الغيمة التي أمطرت و هي تعبر صحراء قاحلة و أنفجرت الأرض بستان حيث أتت و كانت ، لم تكن سراب أركض بلا وعي خلفه و لم تكن وهم من صنع وسواس وحدتي ، بل كانت حقيقية جداً مذهلة بتصرفاتها الغير معتادة ، كانت تجلس خائبة في الوحدة و تشرب مرارة اللحظات و الأحداث ، كانت تجعل قلبي يصرخ ألم و يسعى لمحاولات تخرجها من هذا المكان ، كانت عينيها تدل على روحها المخذولة ، كانت تضع مساحيق التجميل لإخفاء ما جعل ملامحها تذبل ، كانت الأفكار تطحن بداخل عقلي بين هموم أغرق بها و أسباب أسعى لها إلى أن أجعل يومها أفضل مما هو عليه ، كانت ترد على الرسائل و يفرح قلبي حتى و إن كانت الرسالة تزيد الحزن لروحي ، تجعلني أفكر في كل وقت كيف تكون هي بين كل هذا الكم و التفاصيل اللطيفة و الكآبة اللعينة ، مدهشة حتى في حزنها ، كانت تخرج مهزومة من كل الحروب التي لم تعد لها القدرة على الوقوف وسطها ، كانت تجعلني أختلق الوجود من العدم لأجعلها ترى كيف أن إنتصارها يجعل العابر يشعر بالفخر ، إني أستمع للأغنية جيداً و أفكر بكِ كثيراً و بتنهيدة طويلة تجمع ضياعي لأبدأ هذه الرسالة بلحظة نسيت كيف أكتب ، بلحظة تعثرت كثيراً في الوصول لكِ ، هذه اللحظة للحياة فكل ما يحتوي شيئاً منكِ يغني و يرقص و يتنفس كالسماء ، إنها الرابعة فجراً في شتاء أحب شدته فهو لا يرحم و كوب شاهي يساعدني للحديث عنكِ ، أعلم أنكِ في كره لكل ما حولك فلا لوم عليك و لا عتاب ، أتيت لطلب المغفرة و كتبت للرجاء و نيابة عن كل السوء الذي يحدث معكِ ، أنتِ البكاء الذي قطّع أوراقي و مزق أفكاري بكل ضعف شعرت به تجاه مسؤولية أن أساعدك في الخروج من هذا الوحل ، منكِ الحروف أتت و إليك تكون و عن كل ما كان لكِ تتحدث ، أنتِ الفتاة التي جعلت المؤمن يترك إعتكافه و الراهب معبده و المعلم ينسى طلابه ، أنتِ النجاة لكل غارق لا يجيد الحياة و التوازن لكل إنحراف و دائماً أنتِ القوة لكل ضعيف و الراحة لكل مهموم ، لكنكِ لا تعلمين ، نعم أنتِ الإرتواء لكل أراضي الجفاف و منكِ الغيوم لبلاد مات أهلها جوع بلا محاصيل ، أنتِ و خالق هذا كله أنكِ أنتِ الذي جعل الشديد يرتخي و القاسي يلين ، لكنكِ لا تعلمين ، أنتِ من فعل لهؤلاء كل هذا و أنا كل هؤلاء ، تلك الليلة التي بدأ بها كل شيء لم تكن حلم و قد كانت حقيقة حتى إن الحلم يعجز أن يأتي بمثلها ، أعيش هذا منذ لحظتها و أفزع من اليقظة و أهرب لظلك الموجع بالخذلان و رغم هذا فهو أجمل من ظل لا يجمعني بكِ ، ها أنا أفقد التركيز و يجب أن أعود للحديث عنكِ ، لا عني فأنا من يتحدث لكِ في بحة صوت الباكي بين دهشة لروحك و جمالك ، بكِ الجاذبية التي أتفق العالم على كونها الأصل فقد كنتِ السيطرة على أطراف الحياة و العقل بكل تأكيد ، أنتِ التي جعلت لي طريق عودة و كنت أظن أن موتي هو البداية في كآبة طريقي ، أنتِ ألطف من الأم على طفلها الغبي ، أنتِ الإبتسامة التي قدمّت روحي فداء لها لأراها دائماً ، أنتِ من جعل ترتيب كلماتي بهذا الشكل فلا نهاية لي معكِ و لا بداية و لا حدود ، سأبقى هنا كما لو لم يكن شيئاً حدث فما بداخلي أكبر من هذا كله و كأنكِ المنقذ لي بعد أن عشت دهراً في كهف ، أنتِ من جعلني أحتضن النجوم بلحظات لن تتكرر و أنتِ من جعلني أموت ألف مرة و أسكن في بركان و أنتظر نيزك ينهي الوجود و أنتِ من جعل هذا الجحيم بستان أتجاوزه بلحظة لم تتجاوز العشر ثواني ، لكنكِ لا تعلمين ، أنا مبتسم بعدما فقدت وجهي الباهت الشاحب في متاهات حزني و خيباتي ، أريد أن الكلمات تصل إليك لتعلمين بأنكِ أعظم مما تظنينه في نفسك ، كنت خائب مخذول وحيد حتى قرأت رسالة منكِ ، حينها لم تلفت إنتباهك لشيء منها ، لكنها جعلتني أستعيد روحي ، ها أنتِ من جديد تجعلين للقلم روح و لعقلي وجود بكل هدوء و كأني لم أكن في عاصفة تنتقم مني و كأني قاتل للطبيعة ، أستسلم لكِ بكل قوتي و أنا أعلم بأن لو كان حزني بكِ لتقدمت بلا تردد ، هذا لا شيء أمامك و إنما حديث تائه أحاول أن أصف شيئاً بكِ .

تعليقات

المشاركات الشائعة